ان عمر بن سعد لعنه اللّه أقام بقية يومه و اليوم الثاني إلى زوال الشمس فجمع قتلاه فصلى عليهم و دفنهم و ترك الحسين (عليه السلام) و أصحابه منبوذين بالعراء. ثم أمر حميد بن بكير الأحمري فأذن بالناس بالرحيل إلى الكوفة.
ثم رحل بمن تخلف من عيال الحسين (عليه السلام) و حمل نساءه صلوات اللّه عليه على أحلاس اقتاب الجمال بغير وطاء مكشفات الوجوه بين الأعداء و هن ودائع الأنبياء و ساقوهن كما يساق سبي الترك و الروم في أشد المصائب و الهموم و للّه در قائله:
يصلى على المبعوث من آل هاشم و يغزى بنوه أن ذا لعجيب
و في كامل البهائي: أن عمر بن سعد لعنه اللّه أقام يوم عاشوراء و غده إلى وقت الزوال و وكل جميع المشايخ و المعتمدين على الإمام زين العابدين (عليه السلام) و بنات أمير المؤمنين و سائر النساء و كن جميعهن عشرين نسوة و كان لزين العابدين (عليه السلام) في ذلك اليوم اثنان و عشرون سنة و لمحمد الباقر (عليه السلام) أربع و كانا كلاهما في كربلاء فحفظهما اللّه تعالى .
و في المناقب: و جاءوا بالحرم أسارى الا شهر بانويه فإنها أتلفت (ألقت ظ) نفسها في الفرات .
و قال ابن عبد ربه في العقد الفريد: و أسر اثنا عشر غلاما من بني هاشم فيهم محمد بن الحسين و علي بن الحسين و فاطمة بنت الحسين عليه السلام فلم تقم لبني حرب قائمة حتى سلبهم اللّه ملكهم و كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف جنبني دماء أهل هذا البيت فإني رأيت بني حرب سلبوا ملكهم لما قتلوا الحسين (عليه السلام).
و قال الأزدي: حدثني أبو زهير العبسي عن قرة بن قيس التميمي قال: نظرت إلى تلك النسوة لما مررن بالحسين (عليه السلام) و أهله و ولده عليهم السلام صحن و لطمن وجوههن. و قال: فما نسيت من الأشياء لا أنسى قول زينب ابنة فاطمة صلوات اللّه عليها حين مرت بأخيها الحسين (عليه السلام) صريعا و هي تقول: يا محمداه يا محمداه صلى عليك ملائكة السماء هذا حسين بالعراء مرمل بالدماء مقطع الأعضاء يا محمداه و بناتك سبايا و ذريتك مقتلة تسفى عليها الصبا. قال: فأبكت و اللّه كل عدو و صديق «4».
و في الحديث المشهور المروي عن زائدة عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: إنه لما أصابنا بالطف ما أصابنا و قتل أبي (عليه السلام) و قتل من كان معه من ولده و إخوته و سائر أهله و حملت حرمه و نساؤه على الأقتاب يراد بنا الكوفة فجعلت أنظر إليهم صرعى و لم يواروا فيعظم ذلك في صدري و يشتد لما أرى منهم قلقي فكادت نفسي تخرج و تبينت ذلك مني عمتي زينب بنت علي الكبرى فقالت: ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي و أبي و إخوتي؟ فقلت: و كيف لا أجزع و أهلع و قد أرى سيدي و إخوتي و عمومتي و ولد عمي و أهلي مصرعين بدمائهم مرملين بالعراء مسلبين لا يكفنون و لا يوارون و لا يعرج عليهم أحد و لا يقربهم بشر كأنهم أهل بيت من الديلم و الخزر. فقالت: لا يجزعنك ما ترى فو اللّه إن ذلك لعهد من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إلى جدك و أبيك و عمك عليهم السلام و لقد أخذ اللّه ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض و هم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها و هذه الجسوم المضرجة و ينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء (عليه السلام) لا يدرس أثره و لا يعفو رسمه على كرور الليالي و الأيام و ليجتهدن أئمة الكفر و أشياع الضلالة في محوه و تطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورا و أمره إلا علوا.