قال السيد و المفيد: قالت فاطمة بنت الحسين (عليه السلام): لما جلسنا بين يدي يزيد رقّ لنا، فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر، فقال: يا امير المؤمنين هب لي هذه الجارية (يعنيني) و كنت جارية وضيئة، فأرعدت و ظننت انّ ذلك جائز لهم، فأخذت بثياب عمّتي و كانت تعلم انّ ذلك لا يكون، فقلت: أو تمت و أستخدم؟ (أي صرت يتيمة ثم أصير خادمة؟) فقالت عمّتي للشامي: كذبت و اللّه و لؤمت و اللّه ما ذلك لك و لا له، فغضب يزيد و قال: كذبت و اللّه انّ ذلك لي و لو شئت أن أفعل لفعلت، قالت: كلّا و اللّه ما جعل اللّه لك ذلك الّا أن تخرج من ملّتنا و تدين بغيرها.
فاستطار يزيد غضبا و قال: ايّاي تستقبلين بهذا؟ إنمّا خرج من الدين أبوك و أخوك، قالت زينب: بدين اللّه و دين أبي و دين أخي اهتديت أنت و أبوك و جدّك ان كنت مسلما، قال: كذبت يا عدوة اللّه، قالت: أنت أمير تشتم ظالما و تقهر بسلطانك، فكأنّه استحيا و سكت.
و عاد الشامي فقال: هب لي هذه الجارية، فقال له يزيد: اعزب وهب اللّه لك حتفا قاضيا،
فقال الشامي: من هذه الجارية؟ فقال يزيد: هذه فاطمة بنت الحسين و تلك زينب بنت عليّ بن أبي طالب، فقال الشامي: الحسين بن فاطمة و عليّ بن أبي طالب؟ قال: نعم، قال الشاميّ:
لعنك اللّه يا يزيد تقتل عترة نبيك و تسبي ذريته، و اللّه ما توهّمت الّا انهم سبي الروم، فقال يزيد: و اللّه لألحقنّك بهم ثم أمر به فضرب عنقه .
قال الشيخ المفيد: ثم أمر (يزيد) بالنسوة أن ينزلن في دار على حدة معهنّ أخوهنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام فافرد لهم دار تتصل بدار يزيد ، لا يكنهم من حر و لا برد، فأقاموا به حتى تقشرت وجوههم، و كانوا مدة اقامتهم في البلد ينوحون على الحسين (عليه السلام) .
و في رواية انّه: لما قتل الحسين (عليه السلام) لم يبق ببيت المقدس حصاة الّا وجد تحتها دم عبيط.
و حكي أن يزيد لعنه اللّه أمر بأن يصلب الرأس على باب داره و أمر باهل بيت الحسين (عليه السلام) أن يدخلوا داره، فلما دخلت النسوة دار يزيد لم يبق من آل معاوية و لا آل أبي سفيان أحد الّا استقبلهنّ بالبكاء و الصراخ و النياحة على الحسين (عليه السلام) و ألقين ما عليهنّ من الثياب و الحليّ و أقمن المأتم عليه ثلاثة أيام، و خرجت هند بنت عبد اللّه بن عامر زوجة يزيد- و كانت قبل ذلك تحت الحسين (عليه السلام)- و جاءت الى مجلس يزيد، و كان الملعون جالسا في مجلس عام، فقالت: يا يزيد أ رأس ابن فاطمة بنت رسول اللّه مصلوب على فناء داري؟ فوثب إليها يزيد فغطاها و قال: نعم فأعولي عليه يا هند و ابكى على ابن بنت رسول اللّه و صريخة قريش، عجل عليه ابن زياد لعنه اللّه فقتله قتله اللّه .
قال العلامة المجلسي في جلاء العيون بعد ذكره لحكاية الشامي الأحمر:
ثم أمر يزيد بأهل البيت عليهم السّلام الى السجن و أخذ زين العابدين (عليه السلام) معه الى المسجد، ثم
دعا الخطيب و أمره أن يصعد المنبر، فصعد و بالغ في ذمّ امير المؤمنين و الحسين الشهيد عليهما السّلام و المدح لمعاوية و يزيد، فصاح به عليّ بن الحسين (عليه السلام): ويلك أيّها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوّأ مقعدك من النار.