انصاره عليهم السلام
اهل بيته عليهم السلام

هاني بن عروة المرادي
هو هاني بن عروة بن نمران بن عمرو بن قعاس بن عبد يغوث بن مخدش بن حصر بن غنم بن مالك بن عوف بن منبه بن غطيف بن مراد بن مذحج ، أبو يحيى المذحجي المرادي الغطيفي. كان هاني صحابيّا كأبيه عروة ، وكان معمّرا ، وكان هو وأبوه من وجوه الشيعة. وحضر مع أمير المؤمنين (عليه السلام) حروبه الثلاث ، وهو القائل يوم الجمل :
يا لك حربا حثّها جمالها يقودها لنقصها ضلالها
هذا علي حوله أقيالها
قال ابن سعد في الطبقات : إنّ عمره كان يوم قتل بضعا وتسعين . وذكر بعضهم أنّ عمره كان ثلاثا وثمانين . وكان يتوكّأ على عصا بها زجّ ، وهي التي ضربه بها ابن زياد.
وروى المسعودي في مروج الذهب : أنّه كان شيخ مراد وزعيمها ، يركب في أربعة آلاف دارع ، وثمانية آلاف راجل ، فإذا تلاها أحلافها من كندة ركب في ثلاثين ألف دارع .
وذكر المبرّد في الكامل وغيره في غيره أنّ عروة خرج مع حجر بن عدي ، وأراد قتله معاوية فشفع فيه زياد ابن أبيه ، وأنّ هانيا أجار كثير بن شهاب المذحجي حين اختان مال خراسان وهرب منها ، وطلبه معاوية فاستتر عند هاني ، فنذر معاوية دم هاني فحضر مجلسه ومعاوية لا يعرفه ، فلمّا نهض الناس ثبت مكانه فسأله معاوية عن أمره؟ فقال : أنا هاني بن عروة صرت في جوارك. فقال له معاوية : إنّ هذا اليوم ليس بيوم يقول فيه أبوك :
أرجّل جمّتي واجر ذيلي وتحمي شكّتي أفق كميت
أمشي في سراة بني غطيف إذا ما سامني ضيم أبيت
فقال له هاني : أنا اليوم أعزّ منّي ذلك اليوم ، فقال : بم ذاك؟ قال : بالإسلام ، فقال : أين كثير؟ قال : عندي في عسكرك ، فقال : انظر إلى ما اختانه فخذ منه بعضا وسوّغه بعضا .
وقال الطبري : لمّا أخبر معقل عين ابن زياد بخبر شريك ومسلم وأنّه عند هاني طلب ابن زياد هانيا فأتى به وما يظنّه أنّه يقتله ، فدخل عليه فقال له : أتتك بحائن رجلاه تسعى .
فقال : وما ذاك أيّها الأمير؟ فجعل يسأله عن الأحداث التي وقعت في داره وهو ينكرها ، فأخرج إليه معقلا ، فلمّا رآه عرف أنّه عين فاعترف بها ، وقال لابن زياد : إنّ مسلما نزل عليّ وأنا أخرجه من داري. فقال ابن زياد : ألم تكن عندك لي يد في فعل أبي زياد بأبيك وحفظه من معاوية؟ فقال له : ولتكن لك عندي يد أخرى بأن تحفظ من نزل بي ، وأنا زعيم لك أن أخرجه من المصر ، فضربه ابن زياد بسوطه حتّى هشم أنفه ، وأمر به إلى السجن .
وروى أبو مخنف : إنّ ابن زياد لمّا أبلغه معقل بخبر هاني أرسل إليه محمّد بن الأشعث ، وأسماء بن خارجة وقال لهما : أتياني بهاني آمنا. فقالا : وهل أحدث حدثا؟ قال : لا. فأتياه به وقد رجّل غديرتيه يوم الجمعة فدخل عليه ، فقال ابن زياد له : أما تعلم أنّ أبي قتل هذه الشيعة غير أبيك؟ وأحسن صحبتك وكتب إلى أمير الكوفة يوصيه بك ، أفكان جزائي أن خبّأت في بيتك رجلا ليقتلني!؟ وذكر له ما أراده شريك من مسلم وما امتنع لأجله مسلم ، فقال هاني : ما فعلت. فأخرج ابن زياد عينه ، فلمّا رآه هاني علم أن وضح له الخبر ، فقال : أيّها الأمير ، قد كان الذي بلغك ولن أضيع يدك عندي أنت آمن وأهلك ، فسر حيث شئت ، فكبا عبيد الله ومهران قائم على رأسه وبيد هاني معكزة بها زجّ يتوكّأ عليها ، فقال مهران : واذلاّه! أهذا يؤمّنك وأهلك!؟ فقال عبيد الله : خذه ، فأخذ بضفيرتي هاني وقنّع وجهه ، فأخذ ابن زياد المعكزة فضرب بها وجه هاني ، وندر الزّجّ فارتزّ بالجدار ، ثمّ ضرب وجهه حتّى هشّم أنفه وجبينه ، وسمع الناس الهيعة ، فأطافت مذحج بالدار فخرج إليهم شريح القاضي ، فقال : ما به بأس ، وإنّما حبسه أميره ، وهو حي صحيح. فقالوا : لا بأس بحبس الأمير ، وجاءت أرباع مسلم بن عقيل فأطافوا بالقصر ، فخذلهم الناس كما تقدّم.
وبقي هاني عنده إلى أن قبض على مسلم فقتلهما وجرّهما بالأسواق.
وفي ذلك يقول عبد الله بن الزبير الأسدي :
إذا كنت لا تدرين ما الموت فانظري إلى هاني بالسوق وابن عقيل
إلى بطل قد هشم السيف وجهه وآخر يهوي من طمار قتيل
ترى جسدا قد غيّر الموت لونه ونضح دم قد سال كلّ مسيل
أيركب أسماء الهماليج آمنا وقد طلبته مذحج بذحول
تطيف حواليه مراد وكلّهم على رقبة من سائل ومسول
وكان قتل هاني يوم التروية سنة ستين مع مسلم بن عقيل ، ولكن مسلما قتله بكير بن حمران كما مرّ ، ورماه من القصر. وهاني أخرج إلى السوق التي يباع بها الغنم مكتوفا فجعل يقول : وا مذحجاه ولا مذحج لي اليوم ، وا مذحجاه وأين منّي مذحج؟ فلمّا رأى أنّ أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثمّ قال : أما من عصى أو سكّين أو حجر يجاحش به رجل عن نفسه ، فتواثبوا عليه وشدّوه وثاقا ، ثمّ قيل له مد عنقك ، فقال : ما أنا بها جد سخي ، وما أنا معينكم على نفسي ، فضربه رشيد التركي مولى عبيد الله فلم يصنع به شيئا. فقال هاني : إلى الله المعاد ، اللهمّ إلى رحمتك ورضوانك ، ثمّ ضربه أخرى فقتله ، ثمّ أمر ابن زياد برأسيهما فسيّرهما إلى يزيد مع هاني الوادعي والزبير التميمي. كما تقدّم في ترجمة مسلم.
قال أهل السير : ولمّا ورد نعيه ونعي مسلم إلى الحسين (عليه السلام) جعل يقول : رحمة الله عليهما يكرّر ذلك ثمّ دمعت عينه.
وقال الطبري : لمّا كان يوم خازر نظر عبد الرحمن بن حصين المرادي لرشيد فقال : قتلني الله إن لم أصله فأقتله أو أقتل دونه! فحمل عليه بالرمح فطعنه وقتله ورجع إلى موقعه .
( ضبط الغريب )
ممّا وقع في هذه الترجمة :
( غطيف ) : بالغين المعجمة والطاء المهملة والياء المثنّاة تحت والفاء مصغرا.
( مذحج ) : كمجلس قبيلة معروفة.
( بضع ) : بكسر الباء وسكون الضاد المعجمتين والعين المهملة وهو ما بين الاثنين والعشرة في المذكر وبضعة كذلك في المؤنّث. قيل : ولا يقال على ما فوق العشرة ، وقيل : يقال ولا يقال على ما فوقها ، فعلى الثاني يقال : بضع عشرة وبضع وعشرون ولا بضع ومائة دون الأوّل. فأمّا نيّف فهو من واحد إلى عشرة في المذكّر والمؤنّث.
( أرجل ) : أسرح. ( جمتي ) : الجمّة بالضم شعر الرأس. ( شكّتي ) : الشكّة بالكسر السلاح.
( أتتك بحائن رجلاه تسعى ) : الحائن الميّت من الحين بفتح الحاء وهو الموت ، وهذا مثل معروف أوّل من قاله المحرق لوافد البراجم.
( عبد الله بن الزبير ) : بفتح الزاء المعجمة غير مصغّر من بني أسد بن خزيمة كان يتشيّع.
( الهماليج ) : جمع هملاج وهو البرذون. ( يجاحش ) : يدافع.
( خازر ) : ـ بالخاء والزاء المعجمتين ثمّ الراء ـ نهر بين موصل وإربل كانت به الوقعة التي قتل بها إبراهيم بن مالك الأشتر عبيد الله بن زياد في أيّام المختار سنة ست وستين.
جنادة بن الحرث المذحجي المرادي السلماني الكوفي
كان جنادة بن الحرث من مشاهير الشيعة ، ومن أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) . وكان خرج مع مسلم أوّلا ، فلمّا نظر الخذلان خرج إلى الحسين (عليه السلام) مع عمرو بن خالد الصيداوي وجماعة ، فمانعهم الحرّ ، ثمّ أخذهم الحسين (عليه السلام) فلمّا كان يوم الطف تقدّموا فأغلوا في صفوف أهل الكوفة حتّى أحاطوا بهم ، فانتدب لهم العبّاس فخلص إليهم وخلّصهم ، ولكنّهم أبوا أن يرجعوا سالمين ويروا عدوّا فقتلوا في مكان واحد بعد أن قاتلوا قتال الأسد اللوابد.
( ضبط الغريب )
ممّا وقع في هذه الترجمة :
( جنادة ) : بالجيم والنون والألف والدال المهملة وبعدها الهاء ، ويصحّف بجبّار وحيّان ، ولكن المضبوط ذلك.
( السلماني ) : نسبة إلى سلمان ، وهم بطن من مراد ، ومراد بطن من مذحج كما ذكره أهل النسب.
واضح التركي مولى الحرث المذحجي السلماني
كان واضح غلاما تركيّا شجاعا قارئا ، وكان للحرث السلماني. فجاء مع جنادة ابن الحرث للحسين (عليه السلام) كما ذكره صاحب الحدائق الورديّة .
والذي أظنّ أنّ واضحا هذا هو الذي ذكر أهل المقاتل أنّه برز يوم العاشر إلى الأعداء فجعل يقاتلهم راجلا بسيفه وهو يقول :
البحر من ضربي وطعني يصطلي والجو من عثير نقعي يمتلي
إذا حسامي في يميني ينجلي ينشق قلب الحاسد المبجلي
قالوا : ولمّا قتل استغاث ، فانقضّ عليه الحسين (عليه السلام) واعتنقه وهو يجود بنفسه فقال : من مثلي وابن رسول الله (صلى الله عليه واله) واضع خدّه على خدّي ، ثمّ فاضت نفسه .
مجمع بن عبد الله العائذي
هو مجمع بن عبد الله بن مجمع بن مالك بن إياس بن عبد مناة بن عبيد الله بن سعد العشيرة المذحجي العائذي.
كان عبد الله بن مجمع العائذي صحابيّا ، وكان ولده مجمع تابعيّا من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ذكرهما أهل الأنساب والطبقات.
وكان مجمع وابنه الآتي ذكره جاءا مع عمرو بن خالد الصيداوي إلى الحسين (عليه السلام) فمانعهم الحرّ وأخذهم الحسين كما تقدّم ذلك.
قال أبو مخنف : لمّا مانع الحرّ مجمعا وابنه وعمرا وجنادة ، ثمّ أخذهم الحسين (عليه السلام) ومنعهم ، سألهم الحسين عن الناس بالكوفة فقال (عليه السلام) : أخبروني خبر الناس وراءكم »؟ فقال له مجمّع بن عبد الله : أمّا أشراف الناس فقد عظمت رشوتهم ، وملئت غرائرهم ، يستمال بذلك ودّهم ، وتستخلص به نصيحتهم ، فهم ألب واحد عليك ، وأمّا سائر الناس بعد ، فإنّ أفئدتهم تهوي إليك ، وسيوفهم غدا مشهورة عليك ، فقال (عليه السلام) له : أخبرني فهل لك علم برسولي إليكم »؟ قال : من هو؟ فقال : قيس بن مسهّر. قال : نعم ، أخذه الحصين بن تميم إلى آخر ما تقدّم في ترجمة قيس.
وقال أهل السير والمقاتل : قتل مجمع مع عمرو بن خالد وأصحابهما في اليوم العاشر في مكان واحد ، كما تقدّم في ترجمة عمرو وجنادة. وسيأتي في ترجمة عائذ.
( ضبط الغريب )
ممّا وقع في هذه الترجمة :
( غرائرهم ) : الغرائر بالغين المعجمة والراء المهملة جمع غرارة بكسر الغين وهي الجوالق.
( الب ) : يقال هم عليه ألب واحد بفتح الهمزة وكسرها ، أي مجتمعون على الظلم والعداوة.
عائذ بن مجمع بن عبد الله المذحجي العائذي
كان عائذ بن مجمع خرج مع أبيه إلى الحسين (عليه السلام) فلقياه في الطريق ومانعهما الحرّ مع أصحابهما فمنعهم منه الحسين (عليه السلام) كما تقدّم ذلك.
قال أهل السير : وكانوا أربعة نفر ، وهم : عمرو بن خالد ، وجنادة ، ومجمع وابنه ، وواضح مولى الحرث ، وسعد مولى عمرو بن خالد ، فكأنّهم لم يعدوا الموليين واضحا وسعدا كما لم يعدّوا الطرماح دليلهم.
وقال صاحب الحدائق : قتل عائذ في الحملة الأولى .
وقال غيره : قتل مع أبيه في مكان واحد كما تقدّم ، وذلك قبل الحملة الأولى في أوّل القتال ، كما وضح لك ممّا تلوناه عليك.
نافع بن هلال الجملي
هو نافع بن هلال بن نافع بن جمل بن سعد العشيرة بن مذحج المذحجي الجملي ، كان نافع سيّدا شريفا سريا شجاعا ، وكان قارئا كاتبا من حملة الحديث ومن أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وحضر معه حروبه الثلاث في العراق وخرج إلى الحسين (عليه السلام) فلقيه في الطريق وكان ذلك قبل مقتل مسلم ، وكان أوصى أن يتبع بفرسه المسمّى بالكامل ، فأتبع مع عمرو بن خالد وأصحابه الذين ذكرناهم.
قال ابن شهرآشوب : لما ضيّق الحر على الحسين (عليه السلام) خطب أصحابه بخطبته التي يقول فيها : أمّا بعد ، فقد نزل من الأمر ما قد ترون وأنّ الدنيا قد تنكرت وأدبرت إلخ. قام إليه زهير فقال : قد سمعنا هداك الله مقالتك إلخ. ثمّ قام نافع فقال : يا بن رسول الله ، أنت تعلم أنّ جدّك رسول الله (صلى الله عليه واله) لم يقدر أن يشرب الناس محبّته ، ولا أن يرجعوا إلى أمره ما أحب ، وقد كان منهم منافقون يعدونه بالنصر ، ويضمرون له الغدر ، يلقونه بأحلى من العسل ، ويخلفونه بأمر من الحنظل حتّى قبضه الله إليه ، وأنّ أباك عليّا قد كان في مثل ذلك ، فقوم قد أجمعوا على نصره ، وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقوم خالفوه حتّى أتاه أجله ومضى إلى رحمة الله ورضوانه ، وأنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة ، فمن نكث عهده وخلع نيّته فلن يضرّ إلاّ نفسه والله مغن عنه ، فسر بنا راشدا معافى ، مشرّقا إن شئت وإن شئت مغرّبا ، فو الله ما أشفقنا من قدر الله ، ولا كرهنا لقاء ربّنا ، فإنّا على نيّاتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ونعادي من عاداك . ثمّ قام برير فقال ما تقدّم في ترجمته.
وقال الطبري : منع الماء في الطف على الحسين (عليه السلام) فاشتدّ عليه وعليه وعلى أصحابه العطش ، فدعا أخاه العباس ، فبعثه في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ، وأصحبهم عشرين قربة ، فجاءوا حتّى دنوا من الماء ليلا واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال فحسّ بهم عمرو بن الحجاج الزبيدي ـ وكان حارس الماء ـ فقال : من؟ قال : من بني عمّك. فقال : من أنت؟ قال : نافع بن هلال. فقال : ما جاء بك؟ قال : جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه ، قال : اشرب هنيئا. قال : لا والله لا أشرب منه قطرة والحسين عطشان ومن ترى من أصحابه. فطلعوا عليه ، فقال : لا سبيل إلى سقي هؤلاء ، إنّما وضعنا بهذا المكان لنمنع الماء. فلمّا دنا أصحابه منه قال : املئوا قربكم.
فنزلوا فملئوا قربهم ، فثار عمرو بن الحجّاج وأصحابه ، فحمل عليهم العبّاس بن علي (عليه السلام) ونافع بن هلال الجملي ففرّقوهم وأخذوا أصحابهم ، وانصرفوا إلى رحالهم ، وقد قتلوا منهم رجالا .
وقال أبو جعفر الطبري : لمّا قتل عمرو بن قرظة الأنصاري جاء أخوه علي وكان مع ابن سعد ليأخذ بثأره فهتف بالحسين (عليه السلام) ـ كما سيأتي في ترجمة عمرو ـ فحمل عليه نافع بن هلال فضربه بسيفه فسقط وأخذه أصحابه فعولج فيما بعد وبرئ .
ثمّ جالت الخيل التي منعت عليّا فردّها نافع عن أصحابه وكشفها عن وجوههم.
وحدّث يحيى بن هاني بن عروة المرادي أنّه لمّا جالت الخيل بعد ضرب نافع عليّا ، حمل عليها نافع بن هلال فجعل يضرب بها قدما وهو يقول :
إن تنكروني فأنا ابن الجملي ديني على دين حسين بن علي
فقال له مزاحم بن حريث : إنّا على دين فلان. فقال له نافع : أنت على دين الشيطان ، ثمّ شدّ عليه بسيفه ، فأراد أن يولّي ولكن السيف سبق ، فوقع مزاحم قتيلا ، فصاح عمرو بن الحجّاج أتدرون من تقاتلون!؟ لا يبرز إليهم منكم أحد.
وقال أبو مخنف : كان نافع قد كتب اسمه على أفواق نبله ، فجعل يرمي بها مسمومة وهو يقول :
أرمي بها معلمة أفواقها مسمومة تجري بها أخفاقها
ليملأنّ أرضها رشاقها والنفس لا ينفعها إشفاقها
فقتل اثني عشر رجلا من أصحاب عمر بن سعد سوى من جرح حتّى إذا فنيت نباله ، جرّد فيهم سيفه فحمل عليهم وهو يقول :
أنا الهزبر الجملي أنا على دين علي
فتواثبوا عليه وأطافوا به يضاربونه بالحجارة والنصال حتّى كسروا عضديه ، فأخذوه أسيرا ، فأمسكه الشمر بن ذي الجوشن ، ومعه أصحابه يسوقونه حتّى أتى به عمر بن سعد ، فقال له عمر : ويحك يا نافع ما حملك على ما صنعت بنفسك! قال : إنّ ربّي يعلم ما أردت. فقال له رجل وقد نظر الدماء تسيل على لحيته : أما ترى ما بك؟ قال : والله لقد قتلت منكم اثني عشر رجلا سوى من جرحت وما ألوم نفسي على الجهد ، ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموني ، فقال شمر لابن سعد : اقتله أصلحك الله! قال : أنت جئت به ، فإن شئت فاقتله. فانتضى شمر سيفه ، فقال له نافع : أما والله لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا ، فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه ، ثمّ قتله رضوان الله عليه ولعنته على قاتليه.
وفيه أقول :
ألا ربّ رام يكتب السهم نافعا ويعني به نفعا لآل محمد
إذا ما أرنت قوسه فاز سهمها بقلب عدو أو جناجن معتد
فلو ناضلوه ما أطافوا بغابه ولكن رموه بالحجار المحدد
فأضحى خضيب الشيب من دم رأسه كسير يد ينقاد للأسر عن يد
وما وجدوه واهنا بعد أسره ولكن بسيما ذي براثن ملبد
فإن قتلوه بعد ما ارتث صابرا فلا فخر في قتل الهزبر المخضد
ولو بقيت منه يد لم يقد لهم ولم يقتلوه لو نضا لمهنّد
( ضبط الغريب )
ممّا وقع في هذه الترجمة :
( نافع ) : يجري على بعض الألسن ويمضى في بعض الكتب هلال بن نافع وهو غلط على ضبط القدماء.
( الجملي ) : منسوب إلى جمل بطن من مذحج. ويمضى على الألسن ، وفي الكتب البجلي وهو غلط واضح.
( حلأتمونا ) : يقال حلأ الناقة عن الورد ، أي : منعها وذادها عنه.
( أفواق ) : جمع فوق بضم الفاء وهو موضع الوتر من السهم.
( أخفاق ) : الصرع يقال : أخفق زيد عمرا في الحرب أي صرعه ، فكأن النبل يجري بها الصرع.
( الرشاق ) : جمع رشيق وهو السهم اللطيف. ( الإشفاق ) : الخوف.
( ناضلوه ) : راموه بالسهام. ( براثن ) : جمع برثن كقنفذ وهو مخلب الأسد.
( الملبّد ) : الأسد ذي اللبد. ( المخضّد ) : المكسّر. ( نضا ) : جرّد.
الحجّاج بن مسروق بن جعف بن سعد العشيرة المذحجي الجعفي
كان الحجّاج من الشيعة ، صحب أمير المؤمنين (عليه السلام) في الكوفة ، ولمّا خرج الحسين (عليه السلام) إلى مكّة خرج من الكوفة إلى مكّة لملاقاته فصحبه ، وكان مؤذّنا له في أوقات الصلوات.
قال صاحب خزانة الأدب الكبرى : لمّا ورد الحسين (عليه السلام) قصر بني مقاتل رأى فسطاطا مضروبا ، فقال : لمن هذا؟ فقيل : لعبيد الله بن الحر الجعفي. فأرسل إليه الحجّاج بن مسروق الجعفي ، ويزيد بن مغفل الجعفي فأتياه وقالا : إنّ أبا عبد الله يدعوك. فقال لهما : أبلغا الحسين (عليه السلام) أنّه إنّما دعاني من الخروج إلى الكوفة حين بلغني أنّك تريدها فرار من دمك ودماء أهل بيتك ، ولئلاّ أعين عليك ، وقلت إن قاتلته كان عليّ كبيرا وعند الله عظيما ، وإن قاتلت معه ولم أقتل بين يديه كنت قد ضيّعته ، وإن قتلت فأنا رجل أحمى أنفا من أن أمكّن عدوي فيقتلني ضيعة ، والحسين ليس له ناصر بالكوفة ولا شيعة يقاتل بهم. فأبلغ الحجّاج وصاحبه قول عبيد الله إلى الحسين (عليه السلام) فعظم عليه ، ودعا بنعليه ثمّ أقبل يمشي حتّى دخل على عبيد الله بن الحر فسطاطه فأوسع له عن صدر مجلسه واستقبله إجلالا وجاء به حتّى أجلسه.
قال يزيد بن مرّة : فحدّثني عبيد الله بن الحر قال : دخل عليّ الحسين (عليه السلام) ولحيته كأنّها جناح غراب! فما رأيت أحدا قط أحسن ولا أملأ للعين منه ، ولا رققت على أحد قطّ رقّتي عليه حين رأيته يمشي وصبيانه حوله ، فقال الحسين (عليه السلام) : ما يمنعك يا ابن الحرّ أن تخرج معي!؟ فقال ابن الحرّ : لو كنت كائنا مع أحد الفريقين لكنت معك ، ثمّ كنت من أشدّ أصحابك على عدوّك ، فأنا أحبّ أن تعفيني من الخروج معك ، ولكن هذه خيل لي معدّة وأدلاّء من أصحابي ، وهذه فرسي المحلقة فو الله ما طلبت عليها شيئا قط إلاّ أدركته ولا طلبني أحد إلاّ فتّه ، فاركبها حتّى تلحق بمأمنك وأنا لك ضمين بالعيالات حتّى أدّيهم إليك أو أموت وأصحابي عن آخرهم دونهم وأنا كما تعلم إذا دخلت في أمر لم يضمني فيه أحد.
قال الحسين (عليه السلام) : أفهذه نصيحة لنا منك يا ابن الحر »؟ قال : نعم ، والله الذي لا شيء فوقه! فقال له الحسين (عليه السلام) : إنّي سأنصح لك كما نصحت لي إن استطعت أن لا تسمع صراخنا ؛ ولا تشهد واعيتنا فافعل ، فو الله لا يسمع واعيتنا أحد ثمّ لا ينصرنا إلاّ أكبّه الله في نار جهنّم ».
ثمّ خرج الحسين (عليه السلام) من عنده وعليه جبّة خزّ وكساء وقلنسوة مورّدة ومعه صاحباه الحجّاج ويزيد وحوله صبيانه فقمت مشيعا له وأعدت النظر إلى لحيته ، فقلت : أسواد ما أرى أم خضاب؟ فقال (عليه السلام) : يا ابن الحرّ عجّل عليّ الشيب فعرفت أنّه خضاب وودّعته .
وقال ابن شهرآشوب وغيره : لمّا كان اليوم العاشر من المحرّم ووقع القتال تقدّم الحجّاج بن مسروق الجعفي إلى الحسين (عليه السلام) واستأذنه في القتال ، فأذن له ثمّ عاد إليه وهو مخضّب بدمائه فأنشده :
فدتك نفسي هاديا مهديا اليوم ألقى جدّك النبيّا
ثمّ أباك ذا الندى عليّا ذاك الذي نعرفه الوصيّا
فقال له الحسين (عليه السلام) : نعم ، وأنا ألقاهما على أثرك ، فرجع يقاتل حتّى قتل.
يزيد بن مغفل بن جعف بن سعد العشيرة المذحجي الجعفي كان يزيد بن مغفل أحد الشجعان من الشيعة والشعراء المجيدين ، وكان من أصحاب علي (عليه السلام) حارب معه في صفّين ، وبعثه في حرب الخريت من الخوارج. فكان على ميمنة معقل بن قيس عند ما قتل الخريت. كما ذكره الطبري .
وقال المرزباني في معجم الشعراء : كان من التابعين وأبوه من الصحابة.
وروى صاحب الخزانة : أنّه كان مع الحسين (عليه السلام) في مجيئه من مكّة وأرسله مع الحجّاج الجعفي إلى عبيد الله بن الحر كما ذكرته في ترجمة الحجّاج.
وذكر أهل المقاتل والسير أنّه لمّا التحم القتال في اليوم العاشر استأذن يزيد بن مغفل الحسين (عليه السلام) في البراز فأذن له ، فتقدّم وهو يقول :
أنا يزيد وأنا ابن مغفل وفي يميني نصل سيف منجل
أعلو به الهامات وسط القسطل عن الحسين الماجد المفضل
ثمّ قاتل حتّى قتل.
وقال المرزباني في معجمه : إنّه لمّا جدّ القتال تقدّم وهو يقول :
إن تنكروني فأنا ابن مغفل شاك لدى الهيجاء غير أعزل
وفي يميني نصل سيف منصل أعلو به الفارس وسط القسطل
قال : فقاتل قتالا لم ير مثله حتّى قتل جماعة ، ثمّ قتل.
( ضبط الغريب )
ممّا وقع في هذه الترجمة :
( جعف ) : بضم الجيم وسكون العين المهملة ثمّ الفاء بطن من سعد العشيرة.
( مغفل ) : بوزن مكرم بالغين والفاء المعجمتين ثمّ اللام.
( القسطل ) : العجاج في الحرب من المصادمة والمكافحة.