انصاره عليهم السلام
اهل بيته عليهم السلام

أنس بن الحرث بن نبيه بن كاهل بن عمرو بن صعب بن أسد بن خزيمة
أنس بن الحرث بن نبيه بن كاهل بن عمرو بن صعب بن أسد بن خزيمة الأسدي الكاهلي كان صحابيّا كبيرا ممّن رأى النبي (صلى الله عليه واله) وسمع حديثه. وكان فيما سمع منه وحدّث به ما رواه جمّ غفير من العامّة والخاصّة عنه أنّه قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول والحسين بن علي في حجره : « إنّ ابني هذا يقتل بأرض من أرض العراق ألا فمن شهده فلينصره ». ذكر ذلك الجزري في أسد الغابة وابن حجر في الإصابة وغيرهما . ولمّا رآه في العراق وشهده نصره وقتل معه.
قال الجزري : وعداده في الكوفيين وكان جاء إلى الحسين (عليه السلام) عند نزوله كربلاء والتقى معه ليلا فيمن أدركته السعادة .
روى أهل السير : أنّه لمّا جاءت نوبته استأذن الحسين (عليه السلام) في القتال فأذن له ـ وكان شيخا كبيرا ـ فبرز وهو يقول :
قد علمت كاهلها ودودان والخندفيون وقيس عيلان
بأنّ قومي آفة للأقران
ثمّ قاتل حتّى قتل.
وفي حبيب وفيه يقول الكميت بن زيد الأسدي :
سوى عصبة فيهم حبيب معفّر قضى نحبه والكاهليّ مرمّل
( ضبط الغريب )
ممّا وقع في هذه الترجمة :
( كاهل ) : بطن من أسد بن خزيمة.
( دودان ) : بالدال المهملة المضمومة والواو والدال المهملة أيضا والألف والنون بطن من أسد بن خزيمة أيضا وستأتي بطون أخر.
حبيب بن مظهّر
هو حبيب بن مظهّر بن رئاب بن الأشتر بن جخوان بن فقعس بن طريف بن عمرو بن قيس بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن أسد أبو القاسم الأسدي الفقعسي. كان صحابيّا رأى النبي (صلى الله عليه واله) ذكره ابن الكلبي وكان ابن عم ربيعة بن حوط بن رئاب المكنّى أبا ثور الشاعر الفارس.
قال أهل السير : إنّ حبيبا نزل الكوفة وصحب عليّا (عليه السلام) في حروبه كلّها وكان من خاصّته وحملة علومه.
وروى الكشي عن فضيل بن الزبير قال : مرّ ميثم التمّار على فرس له فاستقبله حبيب بن مظاهر الأسدي عند مجلس بني أسد فتحادثا حتّى اختلف عنقا فرسيهما ثمّ قال حبيب : لكأنّي بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الرزق قد صلب في حب أهل بيت نبيّه فتبقر بطنه على الخشبة. فقال ميثم : وإنّي لأعرف رجلا أحمر له ضفيرتان يخرج لنصرة ابن بنت نبيّه فيقتل ويجال برأسه في الكوفة. ثمّ افترقا فقال أهل المجلس : ما رأينا أكذب من هذين. قال : فلم يفترق المجلس حتّى أقبل رشيد الهجريّ فطلبهما فقالوا : افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا. فقال رشيد :
رحم الله ميثما نسي ويزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مائة درهم. ثمّ أدبر فقال القوم : هذا والله أكذبهم. قال : فما ذهبت الأيّام والليالي حتّى رأينا ميثما مصلوبا على باب عمرو بن حريث. وجيء برأس حبيب قد قتل مع الحسين (عليه السلام) ورأينا كلّما قالوا .
وذكر أهل السير : أنّ حبيبا كان ممّن كاتب الحسين (عليه السلام) .
قالوا : ولمّا ورد مسلم بن عقيل إلى الكوفة ونزل دار المختار وأخذت الشيعة تختلف إليه قام فيهم جماعة من الخطباء تقدمهم عابس الشاكري وثنّاه حبيب فقام وقال لعابس بعد خطبته : رحمك الله لقد قضيت ما في نفسك بواجز من القول وأنا والله الذي لا إله إلاّ هو لعلى مثل ما أنت عليه.
قالوا : وجعل حبيب ومسلم يأخذان البيعة للحسين (عليه السلام) في الكوفة حتّى إذا دخل عبيد الله بن زياد الكوفة وخذّل أهلها عن مسلم وفرّ أنصاره حبسهما عشائرهما وأخفياهما فلمّا ورد الحسين كربلا خرجا إليه مختفيين يسيران الليل ويكمنان النهار حتّى وصلا إليه.
وروى ابن أبي طالب أنّ حبيبا لمّا وصل إلى الحسين (عليه السلام) ورأى قلّة أنصاره وكثرة محاربيه قال للحسين : إنّ هاهنا حيّا من بني أسد فلو أذنت لي لسرت إليهم ودعوتهم إلى نصرتك لعلّ الله أن يهديهم ويدفع بهم عنك. فأذن له الحسين (عليه السلام) فسار إليهم حتّى وافاهم فجلس في ناديهم ووعظهم وقال في كلامه : يا بني أسد قد جئتكم بخير ما أتى به رائد قومه هذا الحسين بن علي أمير المؤمنين وابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه واله) قد نزل بين ظهرانيكم في عصابة من المؤمنين وقد أطافت به أعداؤه ليقتلوه فأتيتكم لتمنعوه وتحفظوا حرمة رسول الله (صلى الله عليه واله) فيه فو الله لئن نصرتموه ليعطينّكم الله شرف الدنيا والآخرة وقد خصصتكم بهذه المكرمة لأنّكم قومي وبنو أبي وأقرب الناس منّي رحما. فقام عبد الله بن بشير الأسدي وقال : شكر الله سعيك يا أبا القاسم فو الله لجئتنا بمكرمة يستأثر بها المرء الأحب فالأحب أمّا أنا فأوّل من أجاب وأجاب جماعة بنحو جوابه فنهدوا مع حبيب وانسلّ منهم رجل فأخبر ابن سعد فأرسل الأزرق في خمسمائة فارس فعارضهم ليلا ومانعهم فلم يمتنعوا فقاتلهم فلمّا علموا أن لا طاقة لهم بهم تراجعوا في ظلام الليل وتحمّلوا عن منازلهم. وعاد حبيب إلى الحسين (عليه السلام) فأخبره بما كان. فقال (عليه السلام) : {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير: 29] ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله .
وذكر الطبري : أنّ عمر بن سعد لمّا أرسل إلى الحسين (عليه السلام) كثير بن عبد الله الشعبي وعرفه أبو ثمامة الصائدي فأعاده أرسل بعده ( قرّة بن قيس الحنظلي ) فلمّا رأه الحسين (عليه السلام) مقبلا قال : أتعرفون هذا؟ فقال له حبيب : نعم هذا رجل تميمي من حنظلة وهو ابن أختنا وقد كنت أعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا المشهد قال : فجاء حتّى سلّم على الحسين (عليه السلام) وأبلغه رسالة عمر فأجابه الحسين (عليه السلام) قال : ثمّ قال له حبيب : ويحك يا قرّة أين ترجع إلى القوم الظالمين؟ انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيّدك الله بالكرامة وإيّانا معك فقال له قرّة : أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي .
وذكر الطبري أيضا قال : لمّا نهد القوم إلى قتال الحسين (عليه السلام) قال له العبّاس : يا أخي أتاك القوم قال : اذهب إليهم وقل لهم ما بدا لكم؟ فركب العبّاس وتبعه جماعة من أصحابه فيهم حبيب بن مظهّر وزهير بن القين فسألهم العبّاس فقالوا : جاء أمر الأمير بالنزول على حكمه أو المنازلة فقال لهم : لا تعجلوا حتّى أخبر أبا عبد الله ثمّ ألقاكم. فذهب إلى الحسين (عليه السلام) ووقف أصحابه فقال حبيب لزهير : كلّم القوم إذا شئت. فقال له زهير : أنت بدأت بهذا فكلّمهم أنت. فقال لهم حبيب : معاشر القوم إنّه والله لبئس القوم عند الله غدا قوم يقدمون على الله وقد قتلوا ذريّة نبيّه وعترته وأهل بيته وعباد أهل هذا المصر المجتهدين بالأسحار والذاكرين الله كثيرا. فقال له عزرة بن قيس : إنّك لتزكّي نفسك ما استطعت . فأجابه زهير بما يأتي.
وروى أبو مخنف : أنّ الحسين (عليه السلام) لمّا وعظ القوم بخطبته التي يقول فيها : أمّا بعد فانسبوني من أنا وانظروا إلى آخر ما قال. اعترضه شمر بن ذي الجوشن فقال : هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول فقال حبيب : أشهد أنّك تعبد الله على سبعين حرفا وأنّك لا تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك ثمّ عاد الحسين (عليه السلام) إلى خطبته .
وذكر الطبري وغيره أنّ حبيبا كان على ميسرة الحسين (عليه السلام) وزهيرا على الميمنة وأنّه كان خفيف الإجابة لدعوة المبارز طلب سالم مولى زياد ويسار مولى ابنه عبيد الله مبارزين وكان يسار مستنتل أمام سالم فخفّ إليه حبيب وبرير فأجلسهما الحسين. وقام عبد الله بن عمير الكلبي فأذن له كما سيأتي.
قالوا : ولمّا صرع مسلم بن عوسجة مشى إليه الحسين (عليه السلام) ومعه حبيب فقال حبيب عزّ عليّ مصرعك يا مسلم أبشر بالجنّة. فقال له مسلم قولا ضعيفا : بشّرك الله بخير.
فقال حبيب : لو لا أنّي أعلم أنّي في أثرك لاحق بك من ساعتي هذه لأحببت أن توصي إليّ بكلّ ما أهمّك حتّى أحفظك في كلّ ذلك بما أنت له أهل من الدين والقرابة.
فقال له : بلى أوصيك بهذا رحمك الله وأومأ بيديه إلى الحسين (عليه السلام) أن تموت دونه فقال حبيب : أفعل وربّ الكعبة .
قالوا : ولمّا استأذن الحسين (عليه السلام) لصلاة الظهر وطلب منهم المهلة لأداء الصلاة قال له الحصين بن تميم : إنّها لا تقبل منك! فقال له حبيب : زعمت لا تقبل الصلاة من آل رسول الله (صلى الله عليه واله) وتقبل منك يا حمار! فحمل الحصين وحمل عليه حبيب فضرب حبيب وجه فرس الحصين بالسيف فشبّ به الفرس ووقع عنه فحمله أصحابه واستنقذوه .
وجعل حبيب يحمل فيهم ليختطفه منهم وهو يقول :
أقسم لو كنّا لكم أعدادا أو شطركم ولّيتم أكتادا
يا شرّ قوم حسبا وآدا
ثمّ قاتل القوم فأخذ يحمل فيهم ويضرب بسيفه وهو يقول :
أنا حبيب وأبي مظهّر فارس هيجاء وحرب تسعر
أنتم أعد عدّة وأكثر ونحن أوفى منكم وأصبر
ونحن أعلى حجّة وأظهر حقّا وأتقى منكم وأعذر
ولم يزل يقولها حتّى قتل من القوم مقتلة عظيمة فحمل عليه بديل بن صريم العقفاني فضربه بسيفه وحمل عليه آخر من تميم فطعنه برمحه فوقع فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فسقط فنزل إليه التميمي فاحتزّ رأسه فقال له الحصين : إنّي شريكك في قتله. فقال الآخر : والله ما قتله غيري. فقال الحصين : أعطنيه أعلّقه في عنق فرسي كيما يراه الناس ويعلموا أنّي شركت في قتله ثمّ خذه أنت فامض به إلى عبيد الله بن زياد فلا حاجة لي فيما تعطاه على قتلك إيّاه فأبى عليه فأصلح قومهما فيما بينهما على ذلك فدفع إليه رأس حبيب فجال به في العسكر قد علّقه بعنق فرسه ثمّ دفعه بعد ذلك إليه فأخذه فعلّقه في لبان فرسه ثمّ أقبل به إلى ابن زياد في القصر فبصر به ابن حبيب القاسم وهو يومئذ قد راهق فأقبل مع الفارس لا يفارقه كلّما دخل القصر دخل معه وإذا خرج خرج معه فارتاب به فقال : ما لك يا بنيّ تتبعني؟ قال : لا شيء قال : بلى يا بني فأخبرني قال : إنّ هذا رأس أبي أفتعطينيه حتّى أدفنه؟ قال : يا بني لا يرضى الأمير أن يدفن وأنا أريد أن يثيبني الأمير على قتله ثوابا حسنا. فقال القاسم : لكنّ الله لا يثيبك على ذلك إلاّ أسوأ الثواب أم والله لقد قتلته خيرا منك وبكى ثمّ فارقه ومكث القاسم حتّى إذا أدرك لم تكن له همّة إلاّ اتّباع أثر قاتل أبيه ليجد منه غرّة فيقتله بأبيه فلمّا كان زمان مصعب بن الزبير وغزا مصعب باجميرا دخل عسكر مصعب فإذا قاتل أبيه في فسطاطه فأقبل يختلف في طلبه والتماس غرّته فدخل عليه وهو قائل نصف النهار فضربه بسيفه حتّى برد .
وروى أبو مخنف : أنّه لمّا قتل حبيب بن مظهّر هدّ ذلك الحسين (عليه السلام) وقال : « عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي .
وفي ذلك أقول :
إن يهدّ الحسين قتل حبيب فلقد هدّ قتله كلّ ركن
بطل قد لقى جبال الأعادي من حديد فردّها كالعهن
لا يبالي بالجمع حيث توخّى فهو ينصبّ كانصباب المزن
أخذ الثأر قبل أن يقتلوه سلفا من منية دون منّ
قتلوا منه للحسين حبيبا جامعا في فعاله كلّ حسن
( ضبط الغريب )
ممّا وقع في هذه الترجمة :
( مظهّر ) : بضم الميم وفتح الظاء المعجمة بزنة محمّد على الأشهر ويضبط بالطاء المهملة في بعض الأصول ويمضى على الألسن وفي الكتب مظاهر وهو خلاف المضبوط قديما.
( نهد ) : نهض. ( ظهرانيكم ) : يقال : هو بين ظهرانيكم وبين ظهريكم وبين أظهركم فالأولى بفتح النون ولا تكسر والثانية بصورة التثنية كالأولى والثالثة بصورة الجمع كلّ ذلك بمعنى في وسطكم وبين معظمكم.
( مستنتل ) : بالميم والسين والنون بين التائين المثنّاتين فوق بمعنى متقدّم عليه.
( أكتادا ) : جمع كتد وهو : مجتمع الكتفين من الإنسان وغيره.
( آد ) : في قوله : ( حسبا وآدا ) : بمعنى القوة.
( العقفاني ) : بالعين المهملة والقاف والفاء نسبة إلى عقفان بضم العين حي من خزاعة.
( باجميرا ) : بالباء المفردة والجيم المضمومة والميم المفتوحة والياء المثنّاة تحت والراء المهملة والألف المقصورة موضع من أرض الموصل كان مصعب بن الزبير يعسكر به في محاربة عبد الملك بن مروان حين يقصده من الشام أيّام منازعتهما في الخلافة.
مسلم بن عوسجة الأسدي
هو مسلم بن عوسجة بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة أبو حجل الأسدي السعدي كان رجلا شريفا سريا عابدا متنسكا.
قال ابن سعد في طبقاته : وكان صحابيّا ممّن رأى رسول الله (صلى الله عليه واله) وروى عنه الشعبي. وكان فارسا شجاعا له ذكر في المغازي والفتوح الإسلاميّة وسيأتي قول شبث فيه.
وقال أهل السير : إنّه ممّن كاتب الحسين (عليه السلام) من الكوفة ووفى له وممّن أخذ البيعة له عند مجيء مسلم بن عقيل إلى الكوفة.
قالوا : ولمّا دخل عبيد الله بن زياد الكوفة وسمع به مسلم خرج إليه ليحاربه فعقد لمسلم بن عوسجة على ربع مذحج وأسد ولأبي ثمامة على ربع تميم وهمدان ولعبيد الله بن عمرو بن عزيز الكندي على ربع كندة وربيعة وللعباس بن جعدة الجدلي على أهل المدينة فنهدوا إليه حتّى حبسوه في قصره ثمّ إنّه فرّق الناس بالتخذيل عنه فخرج مسلم من دار المختار التي كان نزلها إلى دار هاني بن عروة وكان فيها شريك بن الأعور كما قدّمنا ذلك فأراد عبيد الله أن يعلم بموضع مسلم فبعث معقلا مولاه وأعطاه ثلاثة آلاف درهم وأمره أن يستدلّ بها على مسلم فدخل الجامع وأتى إلى مسلم بن عوسجة فرآه يصلّي إلى زاوية فانتظره حتّى انفتل من صلاته فسلّم عليه ثمّ قال : يا عبد الله إنّي امرؤ من أهل الشام مولى لذي الكلاع وقد منّ الله عليّ بحب هذا البيت وحبّ من أحبّهم فهذه ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنّه قدم الكوفة يبايع لابن رسول الله (صلى الله عليه واله) فلم يدلّني أحد عليه فإنّي لجالس آنفا في المسجد إذ سمعت نفرا يقولون : هذا رجل له علم بأهل هذا البيت فأتيتك لتقبض هذا المال وتدلّني على صاحبك فأبايعه وإن شئت أخذت البيعة له قبل لقائه فقال له مسلم بن عوسجة : أحمد الله على لقائك إيّاي فقد سرّني ذلك لتنال ما تحبّ ولينصر الله بك أهل بيت نبيّه (صلى الله عليه واله) ولقد ساءتني معرفتك إيّاي بهذا الأمر من قبل أن ينمى مخافة هذا الطاغية وسطوته. ثمّ إنّه أخذ بيعته قبل أن يبرح وحلّفه بالأيمان المغلّظة ليناصحنّ وليكتمن فأعطاه ما رضي ثمّ قال له : اختلف إليّ أيّاما حتّى أطلب لك الإذن فاختلف إليه ثمّ أذن له فدخل ودلّ عبيد الله على موضعه وذلك بعد موت شريك .
قالوا : ثمّ إنّ مسلم بن عوسجة بعد أن قبض على مسلم وهاني وقتلا اختفى مدّة ثمّ فرّ بأهله إلى الحسين فوافاه بكربلاء وفداه بنفسه.
وروى أبو مخنف عن الضحّاك بن عبد الله الهمداني المشرقي : أنّ الحسين خطب أصحابه فقال في خطبته : « إنّ القوم يطلبونني ولو أصابوني لهوا عن طلب غيري وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملا ثمّ ليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي فقال له أهله وتقدّمهم العبّاس بالكلام : لم نفعل ذلك!؟ لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك أبدا. ثمّ قام مسلم بن عوسجة فقال : أنحن نخلّي عنك ولم نعذر إلى الله في أداء حقّك!؟ أم والله لا أبرح حتّى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ولا أفارقك ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتّى أموت معك ثمّ تكلّم أصحابه على نهجه .
قال الشيخ المفيد : ولمّا أضرم الحسين (عليه السلام) القصب في الخندق الذي عمله خلف البيوت مرّ الشمر فنادى : يا حسين أتعجّلت بالنار قبل يوم القيامة؟ فقال له الحسين :
« يا ابن راعية المعزى أنت أولى بها صليّا فرام مسلم بن عوسجة أن يرميه فمنعه الحسين (عليه السلام) عن ذلك فقال له مسلم : إنّ الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبّارين وقد أمكن الله منه فقال الحسين (عليه السلام) : « لا ترمه فإنّي أكره أن أبدأهم في القتال .
وقال أبو مخنف : لمّا التحم القتال حملت ميمنة ابن سعد على ميسرة الحسين وفي ميمنة بن سعد عمرو بن الحجّاج الزبيدي وفي ميسرة الحسين زهير بن القين وكانت حملتهم من نحو الفرات فاضطربوا ساعة وكان مسلم بن عوسجة في الميسرة فقاتل قتالا شديدا لم يسمع بمثله فكان يحمل على القوم وسيفه مصلت بيمينه فيقول :
إن تسألوا عنّي فإنّي ذو لبد وإنّ بيتي في ذرى بني أسد
فمن بغاني حائد عن الرشد وكافر بدين جبّار صمد
ولم يزل يضرب فيهم بسيفه حتّى عطف عليه مسلم بن عبد الله الضبابي وعبد الرحمن بن أبي خشكارة البجلي فاشتركا في قتله ووقعت لشدّة الجلاد غبرة عظيمة فلمّا انجلت إذا هم بمسلم بن عوسجة صريعا فمشى إليه الحسين (عليه السلام) فإذا به رمق فقال له الحسين (عليه السلام) : رحمك الله يا مسلم {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } [الأحزاب: 23] ثمّ دنا منه فقال له حبيب ما ذكرناه في ترجمته.
قال : فما كان بأسرع من أن فاظ بين أيديهم فصاحت جارية له : وا سيّداه يا ابن عوسجتاه فتباشر أصحاب عمر بذلك فقال لهم شبث بن ربعي : ثكلتكم أمهاتكم إنّما تقتلون أنفسكم بأيديكم وتذلّون أنفسكم لغيركم أتفرحون أن يقتل مثل مسلم ابن عوسجة؟ أما والذي أسلمت له لربّ موقف له قد رأيته في المسلمين كريم لقد رأيته يوم سلق آذربايجان قتل ستة من المشركين قبل أن تتام خيول المسلمين أفيقتل منكم مثله وتفرحون !؟
وفي مسلم بن عوسجة يقول الكميت بن زيد الأسدي :
وإنّ أبا حجل قتيل مجحل
وأقول أنا :
إنّ امرأ يمشي لمصرعه سبط النبي لفاقد التّرب
أوصى حبيبا أن يجود له بالنفس من مقة ومن حب
أعزز علينا يا ابن عوسجة من أن تفارق ساحة الحرب
عانقت بيضهم وسمرهم ورجعت بعد معانق التّرب
أبكي عليك وما يفيد بكا عيني وقد أكل الأسى قلبي
( ضبط الغريب )
ممّا وقع في هذه الترجمة :
( فاظ ) : بالظاء المعجمة مات فإذا قلت فاضت نفسه فبالضاد وأجازوا الظاء.
( سلق آذربايجان ) : السلق بالتحريك الأرض الصفصف وآذربايجان قطر معروف قاعدته أولا أردبيل فتحه حذيفة بن اليمان سنة عشرين من الهجرة وكان معه مسلم بن عوسجة.
( مجحل ) : بالجيم قبل الحاء المهملة المشدّدة أي صريع.
( الترب ) : لدة الإنسان ونظيره.
قيس بن مسهّر الصيداوي
هو قيس بن مسهّر بن خالد بن جندب بن منقذ بن عمرو بن قعين بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي الصيداوي. وصيدا بطن من أسد. كان قيس رجلا شريفا في بني الصيدا شجاعا مخلصا في محبّة أهل البيت :.
قال أبو مخنف : اجتمعت الشيعة بعد موت معاوية في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فكتبوا للحسين بن علي (عليه السلام) كتبا يدعونه فيها للبيعة وسرّحوها إليه مع عبد الله بن سبع وعبد الله بن وال ثمّ لبثوا يومين فكتبوا إليه مع قيس بن مسهّر الصّيداوي وعبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي ثمّ لبثوا يومين فكتبوا إليه مع سعيد بن عبد الله وهاني بن هاني وصورة الكتب : « للحسين بن علي (عليه السلام) من شيعة المؤمنين : أمّا بعد فحيهّلا فإنّ الناس ينتظرونك لا رأي لهم في غيرك فالعجل العجل والسلام ».
فدعا الحسين (عليه السلام) مسلم بن عقيل وأرسله إلى الكوفة وأرسل معه قيس بن مسهّر وعبد الرحمن الأرحبي فلمّا وصلوا إلى المضيق من بطن خبت كما قدّمنا جار دليلاهم فضلّوا وعطشوا ثمّ سقطوا على الطريق فبعث مسلم قيسا بكتاب إلى الحسين (عليه السلام) يخبره بما كان فلمّا وصل قيس إلى الحسين بالكتاب أعاد الجواب لمسلم مع قيس وسار معه إلى الكوفة.
قال : ولمّا رأى مسلم اجتماع الناس على البيعة في الكوفة للحسين كتب إلى الحسين (عليه السلام) بذلك وسرّح الكتاب مع قيس وأصحبه عابس الشاكري وشوذبا مولاهم فأتوه إلى مكّة ولازموه ثمّ جاءوا معه .
قال أبو مخنف : ثمّ إنّ الحسين لمّا وصل إلى الحاجر من بطن الرمّة كتب كتابا إلى مسلم وإلى الشيعة بالكوفة وبعثه مع قيس فقبض عليه الحصين بن تميم وكان ذلك بعد قتل مسلم وكان عبيد الله نظّم الخيل ما بين خفان إلى القادسيّة وإلى القطقطانة وإلى لعلع وجعل عليها الحصين وكانت صورة الكتاب : « من الحسين بن علي إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين : سلام عليكم. فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلاّ هو أمّا بعد فإنّ كتاب مسلم جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقّنا فسألت الله أن يحسن لنا الصنع وأن يثيبكم على ذلك أحسن الأجر وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجّة يوم التروية فإذا قدم رسولي عليكم فانكمشوا في أمركم وجدّوا فإنّي قادم عليكم في أيّامي هذه إن شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ». قال : فلمّا قبض الحصين على قيس بعث به إلى عبيد الله فسأله عبيد الله عن الكتاب فقال : خرقته قال : ولم؟ قال : لئلاّ تعلم ما فيه. قال : إلى من؟ قال : إلى قوم لا أعرف أسماءهم. قال : إن لم تخبرني فاصعد المنبر وسبّ الكذاب ابن الكذّاب. يعني به الحسين (عليه السلام) . فصعد المنبر فقال : أيّها الناس إنّ الحسين بن علي خير خلق الله وابن فاطمة بنت رسول الله وأنا رسوله إليكم وقد فارقته بالحاجر فأجيبوه ثمّ لعن عبيد الله بن زياد وأباه وصلّى على أمير المؤمنين فأمر به ابن زياد فأصعد القصر ورمي به من أعلاه فتقطّع ومات .
وقال الطبري : لمّا بلغ الحسين (عليه السلام) إلى عذيب الهجانات في ممانعة الحرّ جاءه أربعة نفر ومعهم دليلهم الطرماح بن عدي الطائي وهم يجنبون فرس نافع المرادي فسألهم الحسين (عليه السلام) عن الناس وعن رسوله فأجابوه عن الناس وقالوا له : رسولك من هو؟ قال : قيس. فقال مجمع العائذي : أخذه الحصين فبعث به إلى ابن زياد فأمره أن يلعنك وأباك فصلّى عليك وعلى أبيك ولعن ابن زياد وأباه ودعانا إلى نصرتك وأخبرنا بقدومك فأمر به ابن زياد فألقي من طمار القصر فمات 2. فترقرقت عينا الحسين (عليه السلام) وقال : {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23] اللهمّ اجعل لنا ولهم الجنّة منزلا واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك ورغائب مذخور ثوابك .
وفي قيس يقول الكميت الأسدي : وشيخ بني الصيداء قد فاظ قبلهم
( ضبط الغريب )
ممّا وقع في هذه الترجمة :
( خفان ) : بالخاء المعجمة والفاء المشدّدة والألف والنون موضع فوق الكوفة قرب القادسيّة.
( القطقطانة ) : بضم القاف وسكون الطاء موضع فوق القادسيّة في طريق من يريد الشام من الكوفة ثمّ يرتحل منها إلى عين التمر.
( لعلع ) : بفتح اللام وسكون العين جبل فوق الكوفة بينه وبين السلمان عشرون ميلا.
عمرو بن خالد الأسدي الصيداوي أبو خالد
كان عمرو شريفا في الكوفة مخلص الولاء لأهل البيت قام مع مسلم حتّى إذا خانته أهل الكوفة لم يسعه إلاّ الاختفاء فلمّا سمع بقتل قيس بن مسهّر وأنّه أخبر أنّ الحسين (عليه السلام) صار بالحاجر خرج إليه ومعه مولاه سعد ومجمع العائذي وابنه وجنادة بن الحرث السلماني واتبعهم غلام لنافع البجلي بفرسه المدعو الكامل فجنبوه وأخذوا دليلا لهم الطرماح بن عدي الطائي وكان جاء إلى الكوفة يمتار لأهله طعاما فخرج بهم على طريق متنكبة وسار سيرا عنيفا من الخوف لأنّهم علموا أنّ الطريق مرصود حتّى إذا قاربوا الحسين (عليه السلام) حدا بهم الطرماح بن عدي فقال :
يا ناقتي لا تذعري من زجري وشمّري قبل طلوع الفجر
بخير ركبان وخير سفر حتّى تحلّي بكريم النجر
الماجد الحرّ رحيب الصدر أتى به الله لخير أمر
ثمة أبقاه بقاء الدهر
فانتهوا إلى الحسين (عليه السلام) وهو بعذيب الهجانات فسلّموا عليه وأنشدوه الأبيات. فقال (عليه السلام) : « أم والله إنّي لأرجو أن يكون خيرا ما أراد الله بنا قتلنا أو ظفرنا ».
قال أبو مخنف : ولمّا رآهم الحرّ قال للحسين : إنّ هؤلاء النفر من أهل الكوفة ليسوا ممّن أقبل معك وأنا حابسهم أو رادّهم فقال له الحسين : « لأمنعنّهم ممّا أمنع منه نفسي إنّما هؤلاء أنصاري وأعواني وقد كنت أعطيتني ألاّ تعرض لي بشيء حتّى يأتيك كتاب ابن زياد ». فقال : أجل لكن لم يأتوا معك فقال : « هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي فإن تممت عليّ ما كان بيني وبينك وإلاّ ناجزتك فكفّ عنهم الحرّ .
وقال أبو مخنف أيضا : ولمّا التحم القتال بين الحسين (عليه السلام) وأهل الكوفة شدّ هؤلاء مقدمين بأسيافهم في أوّل القتال على الناس فلمّا وغلوا عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم وقطعوهم من أصحابهم فلمّا نظر الحسين إلى ذلك ندب إليهم أخاه العبّاس فنهد إليهم وحمل على القوم وحده يضرب فيهم بسيفه قدما حتّى خلص إليهم واستنقذهم فجاءوا وقد جرحوا فلمّا كانوا في أثناء الطريق والعبّاس يسوقهم رأوا القوم تدانوا إليهم ليقطعوا عليهم الطريق فانسلّوا من العبّاس وشدّوا على القوم بأسيافهم شدّة واحدة على ما بهم من الجراحات وقاتلوا حتّى قتلوا في مكان واحد . فتركهم العبّاس ورجع إلى الحسين (عليه السلام) فأخبره بذلك فترحم عليهم الحسين وجعل يكرّر ذلك.
( ضبط الغريب )
ممّا وقع في هذه الترجمة :
( الطرماح ) : بزنة سنمار الطويل. وهو هنا علم لرجل طائي وليس بابن عدي بن حاتم المعروف بالجود فإنّ ولد عدي الطرفات قتلوا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في حروبه ومات عدي بعدهم ولا ولد له وكان يعيّر بذلك فيقال له : اذهب على الطرفات. فيقول : وددت أنّ لي ألفا مثلهم لأقدّمهم بين يدي عليّ إلى الجنّة! والطرفات : طرفة وطريف ومطرف.
( السفر ) : بوزان ركب كثير السفر يقال : رجل سفر وقوم سفر.
( النجر ) : بالنون والجيم بزنة البحر الأصل.
( عذيب الهجانات ) : موضع فوق الكوفة عن القادسيّة أربعة أميال وهو حدّ السواد وأضيف إلى الهجانات لأنّ النعمان بن المنذر ملك الحيرة كان يجعل فيه إبله ولهم عذيب القوادس وهو غربي عذيب الهجانات فيما أفهمه من حديث سعد ابن أبي وقّاص.
سعد مولى عمرو بن خالد الأسدي الصيداوي
كان هذا المولى سيّدا شريف النفس والهمّة تبع مولاه عمرا في المسير إلى الحسين والقتال بين يديه حتّى قتل شهيدا . وقد ذكرنا خبره مع مولاه وكيف جاء معه وكيف قتل في كربلا فلا حاجة بنا إلى الإعادة مع قربه.
الموقّع بن ثمامة الأسدي الصيداوي أبو موسى كان الموقّع ممّن جاء إلى الحسين في الطف وخلص إليه ليلا مع من خلص.
قال أبو مخنف : إنّ الموقع صرع فاستنقذوه قومه وأتوا به إلى الكوفة فأخفوه وبلغ ابن زياد خبره فأرسل عليه ليقتله فشفع فيه جماعة من بني أسد فلم يقتله ولكن كبّله بالحديد ونفاه إلى الزارة . وكان مريضا من الجراحات التي به فبقي في الزارة مريضا مكبلا حتّى مات بعد سنة.
وفيه يقول الكميت الأسدي : وإنّ أبا موسى أسير مكبل يعني به الموقّع.
( ضبط الغريب )
ممّا وقع في هذه الترجمة :
( الموقّع ) : بالواو وتشديد القاف وبعدها العين المهملة بزنة المعظم وهو في الأصل بمعنى المبتلى بالمحن.
( ثمامة ) : بالثاء المضمومة والميم المخففة.
( الزارة ) : موضع بعمان كان ينفي إليه زياد وابنه من شاء من أهل البصرة والكوفة .