انصاره عليهم السلام
اهل بيته عليهم السلام

التحرر من الذلة والعبودية واستعادة العزة والحرية وإعداد الأرضية لثورة جذرية كبيرة وعلى نطاق واسع ضد الظلم والاضطهاد والانحراف، لم يعد هناك غير بث الوعي بين الناس وتوعيتهم.
إذن فلا بدّ من توعية الجماهير وإرشادها وتعليمها لتشعر بالمسؤولية ثمّ تأخذ الثورة بالحدوث بشكل ذاتي وهذا هو قسم من مخطط الإمام الحسين و قد نفذه هو وأصحابه من خلال شهادتهم في المرحلة الأُولى، ووقع تنفيذ المرحلة الثانية ـ وهي إيصال رسالة ثورة كربلاء وبث مبادئها ـ على عاتق الإمام زين العابدين و زينب الكبرى (عليمها السَّلام) .
وقد كان هذا النوع من الكفاح هو السبيل الوحيد الذي يمكن من خلاله القضاء على الإعلام المضلّل والتحريف الذي دام أكثر من ثلاثين عاماً، وبه يتم القيام بثورة جذرية على الأمويين وجعل قصر يزيد متزلزلاً إلى الأبد.
بدأت المرحلة الثانية من هذه الحرب التي اقترنت بمظلومية أهل البيت وانطلقت من عصر عاشوراء واستمرت بخطبة زينب بنت أمير المؤمنين في سوق الكوفة و بكلام زين العابدين الوجيز البسيط والمؤثر والمثير في الوقت ذاته في تلك المدينة أيضاً: أشار الإمام إلى الجموع التي جاءت لمشاهدة الأسرى أن يسكتوا، فسكتوا، ثمّ قال بعد أن حمد اللّه وأثنى عليه: «أيّها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفي فأنا أُعرّفه بنفسي، أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنا ابن المذبوح بشط الفرات بغير ذحل ولا تراث، أنا ابن من انتهك حريمه وسلب نعيمه وانتهب ماله وسبي عياله، أنا ابن من قتل صبراً و كفى بذلك فخراً.
أيّها الناس ناشدتكم اللّه هل تعلمون أنّكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه وخذلتموه؟ فتبّاً لما قدّمتم لأنفسكم وسوءاً لرأيكم، بأية عين تنظرون إلى رسول اللّه إذ يقول لكم قتلتم عترتي وهتكتم حرمتي فلستم من أُمّتي».
أثارت هذه الكلمات القصيرة اللاذعة ضجة وصخباً في تلك الأجواء المفعمة بالرعب والارهاب بلغ تأثيرها في أعماق نفس الكوفيين حداً جعل الأصوات والنياحة ترتفع من كلّ ناحية فجأة، والناس يقولون لبعضهم: هلكتم وما تعلمون .
فقال السجاد (صلى الله عليه واله) : «رحم اللّه امرءاً قبل نصيحتي، وحفظ وصيتي في اللّه وفي رسوله وأهل بيته، فإنّ لنا في رسول اللّه اسوة حسنة».
فقالوا بأجمعهم: نحن كلّنا يابن رسول اللّه سامعون مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك، ولا راغبين عنك، فأمرنا بأمرك يرحمك اللّه فانّا حرب لحربك وسلم لسلمك، ولنأخذن يزيد ونبرأ ممن ظلمك وظلمنا.
فقال (صلى الله عليه واله) :«هيهات هيهات: أيّها الغدرة المكرة، حيل بينكم و بين شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا إليّ كما أتيتم إلى أبي، كلاّ وربّ الراقصات فانّ الجرح لما يندمل، قتل أبي صلوات اللّه عليه بالأمس وأهل بيته معه و لم ينسني ثكل رسول اللّه وثكل أبي و بني أبي، ووجده بين لهاتي، ومرارته بين حناجري وحلقي، وغصصه تجري في فراش صدري، ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا».